وسط حالة من الذعر أعقبت الزلزال العنيف، الذى ضرب جزيرة هاييتى الفقيرة بقوة ٧.٣ درجات بمقياس ريختر، أمضى مئات الآلاف من سكان الدولة ليلتهم أمس الأول فى العراء، بانتظار بزوغ الفجر لإحصاء موتاهم والأضرار المادية، فى حين تتوقع السلطات أن الزلزال الذى تسبب بتدمير مبان عدة، منها القصر الرئاسى ومقر بعثة الأمم المتحدة وعدد من الوزارات، سيخلف حصيلة مروعة مع مقتل وفقدان مئات الآلاف.
وبينما أعلن الصليب الأحمر أمس الأول أن الزلزال ربما يكون قد ألحق أضراراً بحوالى ٣ ملايين شخص سيكونون بحاجة إلى مساعدات إنسانية، عرقل الدمار الذى لحق بالبنية التحتية فى هاييتى جهود الإغاثة الحكومية والدولية. وقال المتحدث باسم الصليب الأحمر فى هاييتى بيركليس بابتيست إن منظمته لا يمكنها القيام بعملها، وأضاف «نفتقر للمعدات وللأكياس التى توضع بداخلها الجثث».
وقال مسؤولون فى الصليب الأحمر إن مستشفيات رئيسية ومراكز طبية إما متوقفة عن العمل أو مكتظة بالمصابين وترفض دخول أشخاص بحاجة إلى العلاج لعدم القدرة على استيعابهم.
من ناحيتها، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن مستشفياتها الـ٣ فى هاييتى أصبحت غير صالحة للاستخدام وإنها تعالج المصابين فى ملاجئ مؤقتة، موضحة أن مئات الآلاف من الأشخاص ينامون فى الشوارع بسبب تهدم منازلهم.
وقال دانيال ديزمونى، رئيس مستشفى تابع لبعثة الأمم المتحدة للاستقرار فى هاييتى، إن هذا المستشفى هو الوحيد الذى لايزال يعمل عقب الزلزال، بينما انهارت كل المستشفيات الأخرى، وأوضح ديزمونى أن المستشفى مكتظ عن آخره بالمصابين.
كان رئيس هاييتى رينيه بريفال قال أمس الأول إن تقديرات عدد قتلى الزلزال - الذى يعد الأعنف فى هاييتى منذ ٢٠٠عام - يمكن أن تصل بسهولة إلى عشرات الآلاف، فيما قال مسؤولون آخرون - من بينهم رئيس الوزراء - إن أكثر من ١٠٠ ألف شخص قتلوا.
واعتبر بريفال أنه «من المبكر للغاية تحديد العدد»، مناشداً دول العالم إرسال مساعدات عاجلة لبلاده.
ويشكل الزلزال المدمر مأساة للامم المتحدة التى انهار مقر بعثتها هناك، ما أسفر عن مقتل ١٦ من موظفيها على الأقل، وجرح ٥٦، فيما اعتبر ما بين ١١٥ و٢٠٠ موظف فى عداد المفقودين.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون أمس الأول: «تأكد سقوط ١٦ قتيلا من موظفى الأمم المتحدة»، ولم يتسن لكى مون تأكيد أنباء عن مقتل التونسى هادى العنابى، رئيس بعثة تحقيق الاستقرار فى هاييتى، بعد أن قال بريفال إن الدبلوماسى التونسى توفى فى وقت سابق.
من جهتها، قالت سوزان مالكورا، رئيسة الأقسام اللوجستية بالأمم المتحدة، إن الزلزال أوقع أيضا ٥٦ جريحا على الأقل. وأضافت أن عدد المفقودين من المنظمة الدولية يبلغ «حوالى ١٥٠ شخصا»، فيما قالت الناطقة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فى الأمم المتحدة فى جنيف إليزابيت بيرس إن «ما بين ١١٥ و ٢٠٠ موظف فى الأمم المتحدة يعتبرون فى عداد المفقودين»، بينما أعلنت البعثة الفلبينية أنه تم إنقاذ أحد جنودها.
وفى محاولة للسيطرة على الآثار المدمرة للزلزال، بدأ وصول المساعدات والتجهيزات العسكرية أمس الأول إلى هاييتى، فى إطار التعبئة الدولية لمساعدة هذا البلد الفقير.
وغص مطار العاصمة «بور أو برنس» - الذى أغلق بعد الزلزال ثم أعيد فتحه لاحقا - بالطائرات، ما أرغم طائرة نقل فرنسية كبرى على تأخير إقلاعها من جزيرة المارتينيك.
وفى موازاة ذلك، وصلت سفينة لخفر السواحل الأمريكى وتلتها سفينة أخرى. ويتوقع أن تصل حاملة طائرات نووية أمريكية خلال ساعات إلى هاييتى، فيما تفكر واشنطن فى إرسال سفينة تضم مستشفى.
ويأتى ذلك على خلفية التعبئة الكبرى التى أعلنتها الامم المتحدة لمساعدة هذه الدولة الأفقر فى الأمريكيتين، والتى سيزورها الأمين العام للامم المتحدة بان كى مون «فى أسرع وقت ممكن».
وما يدل على الأهمية التى توليها واشنطن لهذه الكارثة، ألغت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون جولة فى المحيط الهادئ، وكان مؤكد أن حجم الكارثة «فوق التصور»، وكذلك فعل وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس الذى كان يفترض أن يشارك نهاية الأسبوع فى اجتماع وزارى فى أستراليا.
وأعلن أمين عام مجلس الأمن القومى دنيس ماكدونو أن طلائع فرق الإنقاذ الأمريكية وصلت إلى هاييتى وبدأت عمليات الأنقاذ، فيما أعلنت واشنطن عن تعليق عمليات طرد المهاجرين غير الشرعيين إلى هايتيى.
وتعهد البنك الدولى برصد ١٠٠ مليون دولار إضافية لهاييتى، فيما يتوقع أن يحذو حذوه صندوق النقد الدولى وبنك التنمية الأمريكى، بينما أعلنت المفوضية الأوروبية عن تقديم ٣ ملايين يورو كمساعدات لهاييتى.
واعتبر برنامج الأغذية العالمى أن المواد الغذائية والأدوية والمياه والإسعافات ترتدى «أهمية حيوية» فى هذه الأرض المحرومة حيث لم يعد يعمل أى من البنى التحتية. ويستعد البرنامج الذى ينشر حوالى ٢٠٠ موظف فى هاييتى لإرسال طائرتين تنقلان المساعدة الغذائية.
وفى سباق مع الزمن للعثور على ناجين محتملين، ينتظر وصول رجال إنقاذ فرنسيين وكنديين وفنزويليين وتشيليين وروسيين برفقة كلاب مدربة وأطنان من المعدات والأغذية.